مواضيع الاسبوع

علوم التصحيح في اللغة دكتور احمد كروم

29.11.12

اللسانيات الحاسوبية واللغة العربية

ممالا شك فيه أن معالجة اللغة العربية كلغة من اللغات الطبيعية تدخل في علم مخصوص وليد التطورات التكنولوجية المتقدمة ألا وهي اللسانيات الحاسوبية ، مجالها البحثي دقيق وجديد يعرض لآخر النظريات والتطبيقات الحاسوبية المجربة على جميع اللغات الطبيعية فهي ،إذن ، ميدان أقرب إلى العلوم الصلبة منه إلى العلوم الإنسانية ، فهذا ما يطلق عليه إ سم العلوم الإنسانية الصلبة مقابل العلوم الإنسانية المرنة يلتقي فيه الجانب النظري اللساني بكل خلفياته المعرفية والمنهجية والجانب التقني المعلومياتي بكل تطوراته ليصوغ ما اصطلح عليه بالهندسة اللسانية أو تكنولوجيا اللسان .

ومما يجعل نظام لغتنا يرتبط أكثر بالتكنولوجيات المتقدمة هو ا لضرورة الشديدة والملحة لفهم كنه عمل واشتغال النظام اللغوي في دماغ الإنسان المزود بنظام خاص يقوم بتخزين اللغة واسترجاعها عند الحاجة وهذا ما يستدعي نمذجة الدماغ البشري وتقييسه على مستوى الحاسوب/الآلة ، وبما أن النظام اللغوي مبني على شكل آلة لها دخل ولها خرج .

حيث في الدخل تتم عملية تحليل المداخل والبنيات اللسانية إلى أجزاء الخطاب ، فان هناك قواعد بيانات لجميع هذه البنيات يتمرس عليها الإنسان فتحصل لديه التجربة اللغوية وهذه التجربة هي الأساس الذي تنجز عليه الآلة الذكية نسق الخوارزمات الذي يقوم بخزن اللغة في الدماغ على شكل قوانين حسابية صورية ، وهذا هو معنى الكفاية اللغوية لدى المتكلمين.

أما في مرحلة الخرج حيث عملية التوليد فتتم فيها عملية إنتاج اللغة واستقبال إشاراتها وتحليلها قبل عرضها على الخوار زم ، بمعنى آخر، إنه ذلك المستوى الذي يقوم بإنتاج لانهائي للإرساليات اللغوية تمهيدا لعملية التواصل، وما النحو إلا مفهوما واضحا لعملية الإنتاج الخوارزمي.

إنه ذلك الكلي الذي يطبع جميع عمليات الإنتاج المعرفي و اللغوي من أصوات وصرف ومعجم وتركيب ودلالة في جميع اللغات الطبيعية في شكلها الثباتي/ الكامن وليس الأدائي /المنجز الخاص بلغة معينة .

إن معالجة اللغة العربية كباقي اللغات الطبيعية الأخرى ليس بالأمر اليسير ، بل ذلك يتطلب مجموعات وفرق بحث متخصصة في الميدان متكاملة التصور هندسيا وأدواتيا واضحة من حيث المعالم والمناهج الإبستيمولوجية . وإن أغلب الأنظمة الذكية المجربة على اللغات الطبيعية حتى الآن لم تسلم من مشاكل وعقبات سواء على المستوى المنهجي أو الوصفي / الصوري للغة المعالجة بحيث أن لغتنا العربية، علاوة على ذلك ،هي ذات خصوصية معقدة باعتبارها تنتمي للغات الإعرابية ولذلك وجب التعامل مع ظواهرها بحذر ،مع أن مظهر خصوصية النظام اللغوي هو الأشد جلبا للتجريب و محاولة للوصول إلى نتائج مرضية و إيجابية تصلح لبناء الأنظمة الآلية .

إن القيام بالبحث في إطار اللسانيات الحاسوبية يتطلب كذلك التسلح بأسس إبستيمولوجبة ونظرية كآليات قمينة بإضاءة الطريق أمام الوصف والمقارنة لاستنتاج المنهج الأنجع والأكثر واقعية في وصف أدق جزئيات الخطاب اللساني ، ولأننا أمام تحدي تكنولوجي كبير فإننا ملزمون بتطويع لغتنا من كل الجوانب حتى تصبح أكثر فأكثر أداة طيعة في يد الحاسوب وبرمجياته وعتاده ،كي يصبح كذلك منهجية ووصفا للعملية اللغوية وهذا ما نحن في حاجة ماسة إليه لحد الساعة .

فالحديث مثلا عن اللسانيات الآلية العربية من حيث جانب الوصف والمعالجة يحيل البحث لا محالة إلى مجموعة من الأساليب والتقنيات المتطورة ولاسيما ما يتعلق بأساليب الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل هندسة المعرفة و قواعد المعرفة والاستدلال الطبيعي ( غير الحسابي/ البرهاني) والمنهج الحدسي(غير الأعمى) في البحث والتمثيل الرمزي وتمثيل المعارف والبيانات والإضافة عليها


مقتبس من الحوار المتمدن"@"

0 التعليقات:

إرسال تعليق