مواضيع الاسبوع

علوم التصحيح في اللغة دكتور احمد كروم

5.11.16

الدراسات اللغوية العربية النشأة والمراحل

الدراسات اللغوية العربية النشأة والمراحل


- 1 - أسباب قيام الدراسات اللغوية العربية
-2 - المراحل : أ - مرحلة تمهيدية
ب - جمع المعطيات اللغوية
جـ- الوصف والتحليل واستنباط القواعد
د - الدراسة المتخصصة ( المدارس النحوية )
هـ - الدراسة الوظيفية (عبد القاهر الجرجاني )


لم يكن العرب أول من درسوا لغتهم بهدف وضع القواعد لصيانة الألسنة من الخطأ واللحن . فقد سبق الى ذلك شعوب كثيرة منها الهنود والعبرانيون والاغريق وغيرهم . وكانت الكتب المقدسة والديانات والمعتقدات الدينية دائما هي العامل الأساسي في انطلاق تلك الدراسات ، وهذا ماكان بالنسبة للدراسات اللغوية العربية بالاضافة الى أسباب وعوامل أخرى .

أسباب نشأة الدراسات اللغوية العربية:

يتفق معظم الدارسين على أن العرب في الجاهلية كانوا يتكلمون لغتهم بالسليقة ولم يكونوا بحاجة الى قواعد لغوية ،مع وجود بعض الاستثناءات التي لم تكن تشكل خطرا على اللغة علما أن الخطأ واللحن والانحراف اللغوي كان من العيوب التي قد لا تغتفر .
فقد جاء الاسلام ونزل القرآن الكريم في المستوى الأعلى من البلاغة والفصاحة(بلسان عربي مبين) أي باللغة المشتركة أو ما يسمى الآن بالفصحى ، التي يرى بعضهم أنها لهجة قريش التي كان لها من العوامل والظروف ما جعلها اللهجة الأرقى التي تبناها العرب وجعلوها لغتهم الرسمية التي يتعاملون بها على الصعيد الرسمي والمناسبات الأدبية والمواسم. وقد كان ما جاءنا من الشعر الجاهلي كله بهذه اللغة المشتركة مع اشارات الى بعض اللهجات العربية الخاصة التي ظهرت أيضا باللغات العربية المسموح بها (الجائزة ) .

هذا وقد ظل الأمر كذلك بعد مجيء الإسلام ، اذ أن السليقة لم تزل قاسما مشتركا بين العرب الذين دخلوا تحت راية هذا الدين ، وتوحدوا تحت لوائه وعزز القرآن وحدتهم اللغوية ، ولم تكن الدروس اللغوية الا ملاحظات عابرة تصحح بها بعض الأخطاء ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة الملازمين يتلون القرآن الكريم كما أنزل فيتبعهم في ذلك المسلمون حفظا وتلاوة . لكن الأمر لم يبق على هذه الحال لأن الاسلام جاء وبأمر من الله الى الناس كافة ، وكان لا بد أن ينطلق العرب المسلمون بهذه الأمانة لتبليغها للناس خارج حدود الجزيرة العربية . وقد أيدهم الله بالنصر وفتح على الاسلام والمسلمين ، فدخلت الأمم والشعوب في هذا الدين ، الذي كانت اللغة العربية لغته الرسمية ولغة دستوره(القرآن الكريم) .

وكان لا بد للمسلمين غير العرب من تعلم هذه اللغة أو الالمام بها ، لا سيما أن بعض شعائر الاسلام لا بد أن تؤدى باللغة العربية ، وأن تلاوة القرآن عبادة يتقرب بها المسلم الى ربه.

زيادة عن العلاقات الاجتماعية التي جعلت المسلمين على اختلاف أجناسهم امة واحدة يختلطون ويتعاملون .فلا بد من لسان يساعدهم على تمتين الروابط بينهم ، وقد كان اللسان العربي - بلا شك - هو المثل الأعلى وكان العرب المسلمون هم القدوة . ولكن أ من السهل محاكاة العرب ومجاراتهم في لغتهم لكل من دخل الاسلام ؟ وهل يمكن للعرب ألا يتأثروا بلغات تلك الأمم ورطاناتها ؟

بدأت السليقة تضعف وبدأت آثار الاختلاط تظهر سلبا على العربية ، وبدأ اللحن يتفشى ليس على ألسنة غير العرب فحسب ، بل وعلى ألسنة العرب أنفسهم ، حتى الخاصة منهم . ووصل الأمر- كما تذكر بعض الروايات الى تلاوة القرآن الكريم وعلى لسان بعض المقرئين ،مما أدى الى الاستنكار ورفع القضية الى الخليفة لتدارك الأمر .
وهكذا كانت الفتوحات الاسلامية وتوسع الحدود عاملا وسببا في شيوع اللحن وكان شيوع اللحن من الأسباب التي دفعت الى نشأة الدراسات اللغوية العربية. ولا شك أن العامل الديني كان العامل المركزي ، فالخوف على لغة القرآن - وليس على القرآن نفسه كما يذكر على بعض الألسنة - دفع الغيورين للقيام بعمل يصون الألسنة من الزلل والانحراف .

ولذا يمكن أن نسجل العوامل والأسباب كما يلي :

1- العامل الديني : للمحافظة على فهم القرآن وحسن تلاوته و استخراج الأحكام الشرعية .
ويرتبط بهذا العامل أسباب الخوف من فساد الألسنة بسبب :
أ- توسع الحدود بعد الفتوحات الاسلامية و نتج عنه :
ب - الاختلاط وتأثر العربية بغيرها من اللغات ( الألسن )
2 - هناك من يرى بوجود عامل آخر ، هو العامل القومي ويتمثل في حب العرب للغتهم و غيرتهم عليها .
3 - عامل فكري حضاري ، وهو ارتقاء التفكير عند العرب بسبب حضارية الدين الاسلامي و دعوته الى العلم بالاضافة الى الاحتكاك الفكري بالأمم الأخرى .
4 - وقد نضيف عامل الظروف العامة من حب خدمة الدين وهو بمثابة الجهاد وربما بعض الفراغ لخلو الحياة من بعض التعقيدات المعاصرة .

وهكذا تضافرت كل هذه العوامل وغيرها لقيام مشروع دراسة العربية ووضع قواعدها وقد مر ذلك بمراحل يمكن ايجازها فيما يلي :


1- المرحلة التمهيدية : 
وكانت مرتبطة بالقرآن الكريم لضبط تلاوته ضبطا نحويا صحيحا ، لأن الخطأالنحوي قد يغير من مدلول الآيات حتى يصل بذلك الى المحظور ، مثال ذلك ما ورد من قراءة بعض القراء " ان الله بريء من المشركين ورسوله " بكسر لام رسوله بدلا من رفعها .

ويعد أبو الأسود الدؤلي المتوفى( 69 هـ) علم هذه المرحلة ، بل يقال:إنه أول من وضع علم النحو ، وكان ذلك عندما قام بضبط المصحف الشريف بوضع ما يسمى بنقاط الاعراب على أواخر الكلم لبيان وظيفتها النحوية ، حيث أتى بكاتب من بني عبد القيس وقال له: نظر الى شفتي وأنا أقرأ فان فتحت شفتي فضع نقطة فوق الحرف ، وان كسرت فضع نقطة تحت الحرف ،وان ضممت فضع نقطة بجانب الحرف وان أتبعت ذلك غنة (ويريد بذلك التنوين) فضع نقطتين بدل النقطة ، وهكذا عمل معه من بداية المصحف حتى نهايته ويقال إن نقاط الاعراب هذه التي تدل على الحركات ظلت حتى جاء الخليل فاستبدل بها حركات الاعراب الحالية : الفتحة والضمة والكسرة (1).

الدراسة الوصفية التحليلية الشاملة :
المرحلة الأولى : وتتمثل في جمع المعطيات اللغوية ، فبالاضافة الى القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة والشعر العربي ، كانت هناك اللغة والألفاظ التي يستعملها العرب أو الأعراب الذين يعتقد أن لغتهم لم تزل صحيحة لبعدهم عن أماكن الاختلاط وتحصنهم في قلب الصحراء ، لذلك فقد حددت الأماكن2)) والقبائل التي يمكن الأخذ عنها والاطمئنان الى لغتها مثل قيس وتميم و أسد و بعض كنانة وهذيل وبعض الطائيين .

فقد ارتحل علماء اللغة الى قلب الصحراء يستمعون الى الأعراب ويسجلون لغتهم بطريقة السؤال المباشر وغير المباشر .
وربما انعكست هذه الرحلات اللغوية فيما بعد فصار الموردون من الأعراب يفدون الى الحواضر ويقدمون بضاعتهم من اللغة والألفاظ الى المهتمين .
وهكذا تشكلت لدى العلماء ثروة هائلة من المعطيات اللغوية الصالحة للدراسة.

المرحلة الثانية : وهي مرحلة التصنيف والتبويب ، فقد كانت المعطيات اللغوية قد جمعت في كثير من الأحيان بطريقة عشوائية ، فتم جمعها وتنظيمها في مجموعات (رسائل) حسب الموضوعات فكانت كتب مثل: كتاب الابل ، وكتاب الخيل ، والنبات وغير ذلك ... ثم كان فيما بعد جمع عام للألفاظ العربية ( المعاجم العامة ) كمعجم الخليل .
وقبل دراسة المعطيات اللغوية تم تصنيفها بطريقة أخرى ، يمكن أن تسمى شكلية أو نحوية ، فكانت قوائم للأفعال ، وأخرى للأسماء ، وثالثة للحروف .

(1)أنظر المشجر المرفق الذي يبين أهم علماء العربية الأوائل .
(2)أنظر في آخر المحاضرة ملحقا يبين أهم القبائل التي أخذت عنها اللغة

المرحلة الثالثة : مرحلة الاستقراء والمقارنة واستنباط القواعد العامة للغة من خلال دراسة هذه المعطيات التي تمثل الطريقة التي كان عليها العرب في كلامهم ، من حيث الرفع والنصب والجر والوقف ، وكل ما يتعلق بالنحو بالمعنى العام .
ولا بد من الاشارة هنا الى أن الدراسة في هذه المرحلة كانت عامة و في كل الجوانب ، وكان تصنيف تلك المعطيات النحوية حسب البيئة اللغوية ، وليس حسب الزمن مثلا عندما جمعوا الأفعال الماضية جمعوا كل الأفعال المفتوحة الآخر .
وكانت القواعد المستخلصة أشبه بعلم اللغة العام ، ففيها النحو والصرف والبلاغة وغير ذلك .

المرحلة الرابعة : كل علم يبدأ عاما شاملا ثم يتجه نحو التخصيص ، وهذا ما كان بالنسبة للدراسات اللغوية العربية . فقد ازداد التعمق في الدراسات النحوية ، وحدث الخلاف في وجهات النظر ، نظرا لاختلاف اللهجات العربية ، ولشدة المنافسة بين العلماء ، فظهر ما يسمى بالمدارس النحوية

(1) وكان على رأسها مدرسة البصرة، التي تميزت بالاصرار على الاعتماد على ما جاء على ألسنة عرب الصحراء دون الحواضر وعدم الأخذ بالشواذ من الشواهد الفردية ، ثم انشقت عنها مدرسة الكوفة واختلفت عنها في المنهج فقبلت الشاذ وقاست عليه ،كما اعتدت بكل كلام العرب ، سواء كان من بدو الصحراء أو من الحواضر .

المرحلة الخامسة : في نهاية القرن الخامس الهجري اتخذت الدراسة اللغوية العربية منهجا جديدا وهو منهج الدراسة الوظيفية للغة ، وكان ذلك على يد الامام عبد القاهر الجرجاني الذي أعاد للدراسة اللغوية العربية روحها ، وأكد على ربط النحو بالبلاغة ، لأن للغة وظيفة أساسية هي الاتصال .

(1) سنقدم محاضرة خاصة حول المدارس النحوية .

القبائل التي أخذت عنها العربية هي :قيس ، تميم ، أسد ،هذيل ، بعض كنانة ، بعض الطائيين .
و لم يؤخذ من لخم وجذام لمجاورتهم القبط ن ولا من قضاعة وغسان و اياد لمجاورتهم أهل الشام و أكثرهم نصارى يقرؤون بالعبرانية.
(الفارابي في كتابه الألفاظ والحروف. عن المزهر ج/ 1 ص 211 - 212)
أما ترتيب القبائل حسب نصيبها من الألفاظ القرآنية فهو كما يلي :
قريش ، هذيل ، كنانة ، حمير ، جرهم ، تميم ، قيس عيلان ، أهل عمان وأزدشنوءة ، خثعم ، طيء ، مذحج وغسان ، بنو حنيفة ، حضرموت ، أشعر ، أغار ، خزاعة ، بنو عامر ، لخم ، كندة ، سبأ ، أهل اليمامة ، مزينة ، ثقيف ، العمالة ، سعد العشيرة .
( مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ج/ 68 سنة 1991 ص 155)

0 التعليقات:

إرسال تعليق